التساؤل عن تعريف الدولة يقود بالضرورة للبحث والتنقيب في الفلسفة الغربية، التي تعد الدولة إحدى منتوجات فكرها. ستضع هذه الفلسفة مفهوم الدولة في إطاره التاريخي ضمن سياق انتقالات الإنسان الأوروبي من عصور الأسطورة والمعبودات اليونانية والرومانية إلى العصر الحديث، الذي ارتبط بولادة مفهوم الدولة ، ف ما مفهوم الدولة في الفلسفة؟

ما مفهوم الدولة في الفلسفة؟

تعتبر الدولة كمفهوم اجتماعي وسياسي من أهم المفاهيم الفلسفية التي أثارت ولا تزال العديد من الأسئلة والتحليلات من قبل الفلاسفة والمفكرين ، و فيما يلي أهم مواقف الفلاسفة من مفهوم الدولة :

ما مفهوم الدولة في الفلسفة؟
ما مفهوم الدولة في الفلسفة؟

موقف ابن خلدون

  • يصرح ابن خلدون بأن السياسة اعتدال، ويؤكد بأن الممارسة السياسية في الدولة ليست تسلطاً أو استبداداً من طرف الحاكم تجاه محكوميه، بل هي رفق وتوسط واعتدال، على أثره تنبني العلاقة بين السلطان والرعية على الصلح والعدالة اللذين يخدمان مصلحة الطرفين.
  • فمصلحة الرعايا في الحاكم في استقطابه إليهم، وفي لينه وحكمته، لا في استبداده واحتكاره، وتسلطه الذي يفسد حياة الناس وأحلامهم، فتمحي محبتهم للسلطان، وتصبح علاقتهم به مبنية على الخداع والمكر والكذب عوضاً عن الصدق واللطافة والمحبة.
  • ويقول ابن خلدون في مقدمته: “إن الملك إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات، منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل، ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة… وإذا كان رفيقاً بهم متجاوزاً عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، وأشربوا محبته”.

موقف فريدريك هيجل

  • ترى فلسفة هيجل أن الدولة هي غاية في ذاتها، لأنها تجسد الروح المطلق، والإرادة العامة العقلية والحرة والكلية، فهي التي تحرر الفرد من الانزواء حول ذاته وحول مصلحته الفردية، وهي التي تضمن الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني، وأنها حقيقة روح العالم، فقال هيجل “إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية”.

موقف أرسطو

  • يعتبر أرسطو أن الإنسان حيوان سياسي بطبعه، بصفته كائناً لا يقدر على العيش بعيداً عن جماعته الاجتماعية؛ ومن المفروض عليه الانخراط في مؤسسات العائلة والدولة، وبما أنه كان لزاماً في المنظور الأرسطي بأن يتقدم الكل على الجزء، فإن فكرة الدولة سبقت وجود الإنسان داخل الأسرة.
  • فالدولة هي التي تؤمن الاكتفاء الذاتي والعيش الرغيد، ومن ثم فغايتها تحصيل الخير والسعادة لجميع الأفراد، وتأمين حياة يسودها الخير والعدل والمساواة، فقال: “إن الدولة من الأمور الطبيعية، والإنسان من طبعه حيوان مدني”.

مفهوم الدولة عند أفلاطون

اشتُهرت دولة أفلاطون المثاليّة في تاريخ الفلسفة كثيرًا، فقد توافر لها من حظّ ذيوع الصيت ما لم يتوافر لكتَّاب اليوتوبيات الأخرى سواء من الفلاسفة المسلمين كـ (أبى نصر الفارابي) أو من الغربيين كـ (توماس مور)، وفى حين استُقبلت جمهورية أفلاطون بهذا الترحاب فإنّ جمهوريّة أخرى لم تجد لها كثير حظ من ذاك الاستقبال، إنّها جمهورية أرسطو.

  • فقد شهد العصر اليونانى في مرحلته الذهبيّة فترة اضطراب سياسي؛ حيث عاصر أفلاطون دعاة التطرّف السياسي من السوفسطائيين وأتباعهم الذين اعتلوا مناصب سياسيّة آنئذٍ، وحيث وصول الغوغاء إلى الحكم تحت عباءة الديموقراطيّة وإعدامهم لأستاذه سقراط.
  • وهو ما كان له أبلغ الأثر في تناول المشكلات السياسيّة عبر محاوراته أو في دروسه الشفهيّة داخل أكاديميّته التي أسّسها؛ لتكون مركزًا لإعداد القادة والسياسيين.
  • لقد بلغ اهتمام أفلاطون حدًّا يُمكننا القول إنّه لم يتفلسف إلّا من أجل السياسة، وقد حُقّ لأحد مؤرّخي الفلسفة السياسيّة أن يعبّر عن ذلك بالقول: “إنّ أفلاطون لم يأتِ إلى الفلسفة إلّا عبر السياسة، ومن أجل السياسة”.
  • هذا الاهتمام الأفلاطوني بالسياسة يرجع إلى دعامتين رئيسيتين، الأولى في مدى صلة السياسة بالأخلاق، حيث سيكون غياب العدالة التي هي صفة أخلاقيّة بالمقام الأوّل ذريعة إلى خلق فوضى سياسيّة تكاد تودي بالدولة، ومن ثمَّ كان المواطن الفاضل لديه هو من يشارك في سياسة المدينة ويحرص على أداء واجبات المواطنة.
  • وتتمثّل الثانية في طبيعة نشأته الأرستقراطيّة التي كانت تُعدّه ليصبح أحد حكام أثينا أو أحد كبار رجال الدولة فيها، وحينما اضطرّته الظروف السياسية التي مرّت بها أثينا إلى اعتزال السياسة لم تفتر عزيمته عن طرح هذه القضايا نظريًّا؛ لتصبح السياسة محور اهتمامه الأول.
  • حيث بدأ طرح قضاياها منذ محاوراته الأولى، تلك التي عُرفت بالمحاورات السقراطيّة (الدفاع – أقريطون – خارميدس – لاخيس – أوطيفرون )؛ إذ نجد أنّ القضايا السياسيّة تُطرح فيها جنبًا إلى جنب مع القضايا الأخلاقيّة والاجتماعيّة.

مفهوم الدولة عند فلاسفة اليونان

بالعودة إلى تاريخ الفلسفة اليونانية، نجد التفكير والاهتمام بالدولة حاضرًا لدى الفلاسفة اليونان. فقد حاول كل من أفلاطون وأرسطو التنظير لدولة مثالية قادرة على تجسيد الخير الأسمى.

  • في هذا الصدد، نجد أفلاطون الذي دافع عن أن أساس الدولة الطبيعي يتجسد في وجود لا مساواة طبيعية بين الناس فكما تنقسم النفس إلى ثلاث: نفس شهوانية، ونفس غضبية، ونفس عاقلة، ينقسم كذلك أفراد النوع الإنساني إلى فئات ثلاث: حرفيون وجنود وحكام.
  • وما دامت وظيفة النفس العاقلة هي توجيه عمل النفس الشهوانية والنفس الغضبية بالشكل الذي يضمن الانسجام والتناغم في حياة الفرد، فإن وظيفة الحكام هي تدبير شؤون الحرفيين والجنود، وتوجيه عملهم نحو تحقيق الانسجام والتناغم في حياة الجماعة التي ينتمون إليها.
  • فالعدالة كما يقول أفلاطون، في كتاب «الجمهورية»: «هي أن يؤدي كل فرد وظيفة واحدة هي تلك التي وهبته الطبيعة خير قدرة على أدائها». إن غاية الدولة عند أفلاطون هي تحقيق الانسجام والتناغم بين مكونات المجتمع. وهو تناغم لا يتحقق إلا بانصراف كل فئة إلى أداء المهمة التي هيأتها الطبيعة للقيام بها من دون التدخل في مهام الفئات الأخرى.
  • فمن هيأته الطبيعة أن يكون حرفيًا، وزودته بما يلزم ذلك من مهارات وقدرات، فلا مفر له من أن يكون كذلك، وينجز ما يلزم من المهن والصنائع، ومن هيأته أن يكون محاربًا، فعليه أن يحمل السلاح ويقف بشجاعة ضد كل خطر يمكن أن يهدد المدينة/ الدولة.
  • ومن هيأته أن يكون حاكمًا، فعليه أن يتجه لتدبير شؤون الناس بفضيلة وحكمة وعدل. وهكذا نرى أن غاية الدولة ومشروعية وجودها تستمدها من الطبيعة البشرية، فهي من الأمور الطبيعية التي رافقت وجود البشرية التي تكون دائمًا في حاجة إلى من ينظمها.

قد يهمك :

مفهوم السلطة في الفلسفة

  • تُعرف السلطة في الفلسفة على أنّها كلّ شخص يمتلك بيده سلطته ضمن إطار معين، وكل صاحب سلطة يضع القوانين التي يراها مناسبة، ويُخضع الجميع لها، فصاحب السلطة مالكاً للقرارات ومشرفاً على تنفيذها، فمدير المدرسة على سبيل المثال يعتبر مالكاً للسلطة ضمن مجالـه، والإعلانـات التجارية مالكـة للسلطـة على المشـاهـدين.
  • لذلك قد يكون من الصعب إقناع أشخاص معينين أنّهم اشتروا سلعة هم ليسوا بحاجتها فعليا، إنّما فقط لأنّهم شاهدوا إعلاناً بطريقة مغرية وجذابة عكس لديهم في اللاوعي شعوراً وهمياً بالحاجة، فإقناع الجمهور بالحقيقة سيوصل الأفراد إلى نتيجة بسيطة مفادها أنً الإعلان البسيط هذا قد فرض سلطته عليهم، ليتحكم بقراراتهم بالطريقة التي يريدها.

تعريف السياسة في الفلسفة

في الفلسفة، يُعتبر مفهوم السياسة تجربة فكرية تنظر إلى تنظيم المجتمع وتوجيهه من خلال العقلانية والقيم، ويتناول الفلاسفة قضايا السلطة، والعدالة، والحقوق، والحريات، محاولين فهم طبيعة الحكم وكيفية تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع.

  • مفهوم السياسة عند مونتسكيو يرى أنّ الدولة تقوم على ثلاثة أنواع من السلطة: وهي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، حيثُ يدعو مونتسكيو إلى الفصل بين هذه السلطات لضمان حقوق الفرد وحريته.
  • مفهوم السياسة عند ابن خلدون تعني السياسة عند ابن خلدون تحمل مسؤولية العامة والأفراد على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأُخروية والدنيويّة الراجعة إليها.
  • إذ إنّ أحوال الدنيا وما فيها ترجع كلها عند الشارع على اعتبارها مرتبطة بالمصالح الأُخرويّة، فهي في الحقيقة خِلافة يضعها صاحب الشرع في الأرض لحراسة الدين وسياسة الدنيا به.

مفهوم المدينة في الفلسفة

الكلام عن مفهوم الفلسفة والمدينة في جوهره حديث عن نوع من العلاقة والترابط بين الفلسفة والسياسة ، ومبادلة تأثير كل واحدة منها في الاخر ، فكل ماهو سياسي هو فلسفي ضرورةً وليس العكس صحيح ، اذ السياسة حصة ونظرية من منظومة الفلسفة.

  • ان تطور المدينة – الدولة متوقف على تطور الافكار الفلسفية وما تقدمه من مفاهيم ومفردات جديدة للمدينة بوصفها نظاماً سياسياً قائماً ، وان افادة الفلسفة من المدينة يعنمد على البيئة المناسبة التي توفرها المدينة – الدولة للفلسفة من اطلاق الحرية واخلاء السرب للتفكير والنقد والنقاش الاستدلالي القائم على مطارحة الافكار والمقارنة بينها وبذلك تعود الفائدة على الفلسفة وعلى المدينة على حد سواء .
  • احياناً ينظر الى المدينة على انها تجمع سياسي يخلوا من روح المدينة “اي يفتقر للحرية والعمران المتناسق وتوفر ما يحقق جوهر المدينة” اي النظر الى النظام من ناحية توفر شروط قيامه كعمران مديني مكتمل المعالم وتام الشروط .
  • والا فأن هناك تجمعات رغم ما نشهده فيها من تطور على مستوى الابنية والعمران المادي الا انها تدل على وجود رؤوس اموال فقط وليس تحقق شروط المدينة من وجود رؤية وفلسفة للدولة وعمران بشري حضري وانتشار قيم وحريات ومفاهيم مثل العدالة والمساواة والتسامح وقبول الاخر وهي العلل اللازم توفرها لكل مدينة مكتملة المعالم .